بزغ يوم الاثنين دافئاً و بلا مطر .. و كالطير فتح " أوريليو اسكوفار " طبيب الأسنان غير المؤهل و المبكر في يقظته , عيادته في الساعة السادسة .. ثم أخرج بعض أسنان صناعية مازالت مركبة في قالب المصيص من الدولاب الزجاجي, و وضع على المنضدة مجموعة أدوات رتبها حسب الحجم .. كما لو كانت للعرض .. و كان يلبس قميصاً مخططاً بلا ياقة, أقفل حول الرقبة بمشبك ذهبي, و بنطلوناً معلقاً بحمالة .. و كان مستقيم العود نحيل الجسم, لا تبدو عليه مسحة المهنة , و كانت هيأته أقرب إلى هيئة رجل أصم ..و لما فرغ من ترتيب الأدوات فوق المنضدة جذب المثقب إلى قرب كرسي الأسنان و جلس لصقل الأسنان الصناعية .. لقد بدا أنه لا يفكر في العملية التي يقوم بها, بيد أنه راح يواصل العمل و هو ينفخ كور الثقب بقدميه, حتى و هو لا يحتاج إلى ذلك .و عندما بلغت الساعة الثامنة توقف برهة لكي ينظر من النافذة إلى السماء, فرأى طائرين من الجوارح يجففان نفسيهما في الشمس على إفريز سطح البيت المجاور .. و ما لبث أن استأنف عمله متوقعاً أن يعود المطر إلى الانهمار قبل موعد الغداء .. إلى أن قطع عليه تركيزه صوت ابنه الحاد البالغ من العمر احدى عشرة سنة يناديه .. و لدى سؤاله قال له :- العمدة يريد أن يعرف إذا كان يمكن أن تخلع سنه ..- قل له انني غير موجودو أخذ يصقل سناً مذهبة .. ثم امسك بها على قيد ذراع و فحصها بعينين نصف مقفلتين .. و عندئذ انبعث صوت ابنه صائحاً من غرفة الانتظار الصغيرة :- العمدة يقول أنك موجود, لأنه يسمع صوتك!..
تفاصيل الملف
حجم الملف : 174.34 كيلو بايت
نوع الملف : PDF
0 تعليق
قمنا بوضع هذا الصندوق لتسهيل عملية التواصل بيننا فتكلم حتي آراك !
إرسال تعليق